فصل: الخبر عن استيلاء السلطان أبي عنان على تلمسان وانقراض أمر بني عبد الواد ثانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن حروبهم مع مغراوة واستيلاء أبي ثابت على بلادهم ثم على الجزائر ومقتل علي بن راشد بتنس على أثر ذلك:

كان بين هذين الحيين من عبد الواد ومعراوة فتن قديمة سائر أيامهم قد ذكرنا الكثير منها في أخبارهم وكان بنو عبد الواد قد غلبوهم على أوطانهم حتى قتل راشد بن محمد في جلائه أمامهم بين زواوة ولما اجتمعوا بعد نكبة القيروان على أميرهم علي بن راشد وجاؤه من إفريقية إلى أوطانهم مع بني عبد الواد ولم يطيعوهم حينئذ أن يغلبوهم رجعوا حينئذ إلى توثيق العهد وتأكيد العقد فأبرموه وقاموا على الموادعة والتظاهر على عدوهم وعروق الفتنة تنبسط من كل منهم ولما جاء الناصر من إفريقية وزحف إليه أبو ثابت قعد عنه علي بن راشد وقومه فاعتدها عليهم وأسرها في نفسه ثم اجتمع بعد ذلك للقاء السلطان أبي الحسن حتى انهزم ومضى إلى المغرب فلما رأى أبو ثابت أنه قد كفى عدوه الأكبر وفرغ إلى عدوه الأصغر نظر في الانتقاض عليهم فبينما هو يروم أسباب ذلك إذ بلغه الخبر أن بعض رجالات بني كمين من مغراوة جاء إلى تلمسان فاغتالوه فحمى له أنفه وأجمع لحربهم وخرج من تلمسان فاتحة اثنتين وخمسين وسبعمائة وبعث في أحياء زغبة من بني عامر وسويد فجاؤه بفارسهم وراجلهم وظعائنهم وزحف إلى مغراوة فخافوا من لقائه وتحصنوا بالجبل المطل على تنس فحاصرهم فيه أياما اتصلت فيهما الحروب وتعددت الوقائع ثم ارتحل عنهم فجال في نواحي البلد ودوخ أقطارها وأطاعته مليانة والمرية وبرشك وشرشال ثم تقدم بجموعه إلى الجزائر فأحاط بها وفيها فل بني مرين وعبد الله بن السلطان أبي الحسن تركه هناك صغيرا في كفالة علي بن سعيد ابن جانا فغلبهم على البلد وأشخصهم في البحر إلى المغرب وأطاعته الثعالبة ومليكش وقبائل حصين وعقد على الجزائر لسعيد بن موسى بن علي الكردي ورجع إلى مغراوة فحاصرهم بمعقلهم الأول بعد أن انصرفت العرب إلى مشاتيها فاشتد الحصار على مغراوة وأصاب مواشيهم العطش فانحطت دفعة واحدة من الجبل تطلب المورد فأصابهم الدهش ونجا ساعتئذ علي بن راشد إلى تنس فأحاط به أبو ثابت أياما ثم اقتحمها عليه غلابا منتصف شعبان من سنته فاستعجل المنية وتحامل على نفسه فذبح نفسه وافترقت مغراوة من بعده وصارت أوزاعا في القبائل وقفل أبو ثابت إلى تلمسان إلى أن كان من حركة السلطان أبي عنان ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن استيلاء السلطان أبي عنان على تلمسان وانقراض أمر بني عبد الواد ثانية:

لما لحق السلطان أبو الحسن بالمغرب وكان من شأنه مع ابنه أبي عنان إلى أن هلك بجبل هنتاتة على ما نذكره في أخبارهم فاستوسق ملك المغرب للسلطان أبي عنان وفرغ لعدوه وسما لاسترجاع الممالك التي ابتزها أبوه وانتزعها ممن توثب عليه وكان قد بعث إليه علي بن راشد من مكان امتناعه من جبل تنس يسأل منه الشفاعة ونذر بذلك أبو سعيد وأخوه فخرج أبو ثابت وحشد القبائل من زناتة والعرب منتصف ذي القعدة ونزل بوادي شلف واجتمع الناس إليه وواصلته هناك بيعة تدلس في ربيع من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة غلب عليها الموحدون جانا الخراساني من صنائعه وبلغه من مكانه ذلك زحف السلطان أبي عنان فرجع إلى تلمسان ثم خرج إلى المغرب وجاء على أثره أخوه السلطان أبو سعيد في العساكر من زناتة ومعه بنو عامر من زغبة والفل من سويد إذ كان جمهورهم قد لحقوا بالمغرب لمكان عريف بن يحيى وابنه من ولاية بني مرين فزحفوا على هذه التعبية وزحف السلطان أبو عنان في أمم المغرب من زناتة والعرب المعقل والمصامدة وسائر طبقات الجنود والحشد وانتهوا جميعا إلى انكاد من بسيط وجدة فكان اللقاء هنالك آخر ربيع الثاني من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة واجتمع بنو عبد الواد على صدمة العساكر وقت القائلة وبعد ضرب الأبنية وسقاء الركاب وافتراق أهل المعسكر في حاجاتهم فأعجلوهم عن ترتيب المصاف وركب السلطان أبو الحسن لتلافي الأمر فاجتمع إليه أوشاب من الناس وانفض سائر المعسكر ثم زحف إليهم فيمن حضره وصدقوهم القتال فاختل مصافهم ومنحوا أكتافهم وخاضوا بحر الظلماء واتبع بنو مرين آثارهم وتقبض على أبي سعيد ليلتئذ مقيدا أسيرا إلى السلطان أبي عنان فأحضره بمشهد الملأ ووبخه ثم نقل إلى محبسه وقتل لتاسعة من ليالي اعتقاله وارتحل السلطان أبو عنان إلى تلمسان ونجا الزعيم أبو ثابت بمن معه من فل بني عبد الواد ومن خلص إليه منهم ذاهبا إلى بجاية ليجد في إيالة الموحدين وليجة من عدوه فبيته زواوة في طريقه وألد عن أصحابه وأرجل عن فرسه وذهب راجلا عاريا ومعه رفقاء من قومه منهم أبو زيان محمد ابن أخيه السلطان أبي سعيد وأبو حمو وموسى ابن أخيهم يوسف ابن أخيه ووزيرهم يحيى بن داود بن فكن وكان السلطان أبو عنان أوعز إلى صاحب بجاية يومئذ المولى أبي عبيد الله حافد مولانا السلطان أبي بكر بأن يأخذ عليهم الطرق ويذكي في طلبهم العيون فعثر عليهم بساحة البلد وتقبض على الأمير أبي ثابت الزعيم وابن أخيه محمد بن أبي سعيد ووزيرهم يحيى بن داود وأدخلوا إلى يجاية ثم خرج صاحبها الأمير أبو عبد الله إلى لقاء السلطان أبي عنان واقتادهم في قبضة أسره فلقيه بمعسكره من ظاهر المرية فأكرم وفادته وشكر صنيعه وانكفأ راجعا إلى تلمسان فدخلها في يوم مشهود وحمل يومئذ أبو ثابت ووزيره يحيى على جملين يتهاديان بهما بين سماطي ذلك المحمل فكان شأنهما عجبا ثم سيقا ثاني يومهما إلى مصرعهما بصحراء البلد فقتلا قعصا بالرماح وانقرض ملك آل زيان وذهب ما أعاده لهم بنو عبد الرحمن هؤلاء من الدولة بتلمسان إلى أن كانت لهم الكرة الثالثة على يد أبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن المتوليها لهذا العهد على ما سنذكره ونستوفي من أخباره إن شاء الله تعالى.